إنزو باتشي: الحركات الطلابية تُعيد طرح معضلة انتقاد سياسات إسرائيل دون التهمة بالعداء للسامية

يرى الأكاديمي والمؤلف الإيطالي إنزو باتشي، الذي يُعد من أبرز علماء الاجتماع المتخصصين في علم الاجتماع الديني والدراسات الإسلامية في إيطاليا، أن الحركات الطلابية قد طرحت قضية لم تُتناول إلا بحذر في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية حتى الآن، وهي أن انتقاد سياسات الحكومات الإسرائيلية لا يعني بالضرورة معاداة السامية.
وأشار باتشي إلى أن الصراعات الكبرى في العالم، مثل الحرب الأهلية في السودان والتوترات في منطقة الساحل، تُظهر صراعًا بين القوى الإمبريالية الجديدة والقوى الإقليمية المتزايدة التنافس. ويعتقد أن الحوار بين العرب والغربيين يمكن أن يتحقق بفعالية إذا ما تخلصنا من الصور النمطية التي تراكمت عبر التاريخ.
يرأس باتشي قسم علم الاجتماع في جامعة بادوفا، ويعمل أيضًا رئيسًا للجمعية العالمية لعلم الاجتماع الديني. من بين أعماله المنشورة: “علم الاجتماع الديني.. الإشكالات والسياقات”، و”الإسلام في أوروبا”، و”سيسيولوجيا الإسلام”، و”لماذا تخوض الأديان الحروب؟”. وقد التقى بالجزيرة نت ليتحدث عن قضايا الشرق الأوسط والسياسات الدولية.
سُئل باتشي عن سبب عدم تأثير الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأوروبية، بما في ذلك الإيطالية، على سياسات الدول الغربية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. فأجاب بأن الحركات الطلابية، رغم تظاهراتها ضد السياسة الإسرائيلية ودعمها للقضية الفلسطينية، لم تنجح في التأثير على سياسات الحكومات الغربية. وأضاف أن السياسة الواقعية لهذه الحكومات تُعلي من شأن العلاقة التاريخية مع إسرائيل، على الرغم من الانتقادات السطحية لسياساتها.
وأشار باتشي إلى أن الحركات الطلابية قد نجحت في طرح موضوع مهم، وهو أن انتقاد سياسات إسرائيل ليس معاداة للسامية، وهو تقدم كبير بالنظر إلى حجم الاحتجاجات في الجامعات.
فيما يتعلق بدور الولايات المتحدة كوسيط في الصراع، أوضح باتشي أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون وسيطًا محايدًا بسبب تاريخها السياسي والاقتصادي. لكنه أشار إلى ضرورة أن تلعب الإدارة الأميركية دورًا حاسمًا في منع التصعيد.
وعن تأثير إدانة الأمم المتحدة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، قال باتشي إن الأمم المتحدة أثبتت ضعف قدرتها على التدخل، وأن صراعات العالم الحالية تظهر مواجهة بين القوى الإمبريالية والقوى الإقليمية. وتساءل عما إذا كانت الحرب على غزة وازدواجية المعايير الغربية تشكل بداية انهيار النظام العالمي الجديد.
ووافق باتشي على هذا الرأي، معتبرًا أن الصراعات الكبرى الحالية تعكس انهيار النظام العالمي الحالي وتُظهر مواجهة بين القوى الكبرى والإقليمية. وأضاف أن غياب وسيط مركزي قوي يعني أن القوى العالمية تحاول حماية مصالحها بشكل منفصل.
أخيرًا، تحدث باتشي عن تأثير الإسلاموفوبيا واليمين المتطرف، مشيرًا إلى أن الإبادة الجماعية في فلسطين وسكوت بعض حكومات الاتحاد الأوروبي قد ساهم في نمو اليمين المتطرف، لكنه أضاف أن هناك شعورًا متزايدًا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، مما يقلل من تأثير الإسلاموفوبيا.
وبخصوص استخدام الخطابات الدينية والقومية لجذب الرأي العام، رأى باتشي أنها تعكس أيديولوجيا قديمة تجددت في عصر الاضطراب العالمي. وأضاف أن الخطاب الديني السياسي يستخدم لتعزيز الشعور بالتماسك الاجتماعي في مجتمعات ذات تنوع ثقافي عالٍ.
وفيما يتعلق بالثقافة النسوية في العالم العربي، اعتبرها باتشي علامة على الأزمنة المتغيرة، وأكد أن التطور في المجتمعات العربية يمكن تحقيقه دون الإضرار بتماسكها واستقرارها من خلال تعزيز التعليم والمساواة بين الجنسين.