نهاية غير موفقة لملف العشرية.. رسائل سلبية في اتجاهات عدة
محمد عبدالرحمن عبدالله
كاتب صحفي
عندما قررت الدولة الموريتانية فتح ملف “العشرية” في وجه رأس نظام سابق وعدد من رموزه، بدا ذلك لحظة فارقة في التاريخ السياسي للبلد.
لحظة أوحت، ولو مؤقتًا، بأن هناك إرادة لتجاوز الماضي، وإرساء قواعد للعدالة والشفافية والمحاسبة. لكن للأسف، انتهى هذا المسار نهاية غير موفقة، بل مُخيبة للآمال، تركت خلفها سيلًا من الرسائل السلبية.
أولى الرسائل: لا محاسبة فعلية في موريتانيا
المتابعات كانت انتقائية، والحساب بدا أقرب إلى تصفية سياسية منه إلى مسار عدلي شامل.
أُقصي البعض، بينما رُقّي آخرون.
وقف الرئيس السابق وحده تقريبًا في قفص الاتهام، بينما أُعيد تدوير شركائه السابقين في دوائر القرار.
ثانيًا: الفساد لا يُكلف الكثير.. وربما يُكافَأ
حين يرى المواطن أن من نهبوا أو غضّوا الطرف عن النهب يعودون إلى مناصبهم، تُرسَّخ في الذهن صورة قاتمة:
أنّ الجرأة على المال العام لا تُعاقب، بل قد تكون طريقًا نحو النفوذ.
ثالثًا: رسالة سلبية إلى من يؤمن بالدولة
كل من كان يأمل أن الدولة قادرة على تطهير ذاتها، شعر بالخذلان.
أين استُرجِعت الأموال؟ أين خُصّصت للمشاريع؟ أين التقارير؟
كلها أسئلة بقيت دون جواب، كأننا فقط أخرجنا الملف من درج ووضعناه في آخر.. مع قليل من الضجيج الإعلامي.
رابعًا: تشجيع ثقافة الإفلات من العقاب
بدل أن يكون الملف بداية لثقافة جديدة، انتهى بإعادة إنتاج مناخ الخوف من المحاسبة السياسية، لا القانونية.
والنتيجة: لا ثقة في المؤسسات، ولا في إرادة الإصلاح.
لم يكن أحد يطلب تصفية سياسية، ولا انتقامًا.
كان المطلب واضحًا: عدالة متجردة من الولاءات، تُعيد الاعتبار للمال العام، وتمنع تكرار التجربة.
لكن النهاية جاءت باهتة، مرتعشة، وغير موفقة.
ليصبح ملف العشرية درسًا آخر…
ليس في المحاسبة، بل في كيفية الالتفاف على المحاسبة.